الأحد، 28 نوفمبر 2010

حول الانتخابات النيابية المصرية 2010م وما سيترتب عليها (البيان الثاني)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحركة السلفية من أجل الإصلاح (حفص)
التاريخ: الإثنين 23 من ذي الحجة 1431 هـ
29 نوفمبر 2010 م
رقم البيان 2031

حول الانتخابات النيابية المصرية 2010م وما سيترتب عليها
(البيان الثاني)

الحمد لله الذي نصر دينه بأنبيائه وأوليائه، والصلاة والسلام على إمام جنده ونصرائه، وبعد:

فبعد أن وضعتْ معركة انتخابات مجلس الشعب المصري لعام 2010م أوزارها، ورأى العالم كله ما احتف بها من مؤثرات ومقاصد وظروف فقد آن للعقلاء أن يركنوا إلى منطق الحجة ويتفكروا في مآلات الحادث حتى تستبين السبيل الصحيحة التي يجب على المؤمنين أن يسلكوها.

والحركة السلفية من أجل الإصلاح (حفص) قد تابعت عن كثب كل فعاليات هذه الانتخابات مع ما اقترن بها من حادثات على الصعيد الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وترى أنه من الضروري بمكان أن تُذكِّر الأمة جماعات وأفرادا وخاصة إخوتنا المسلمين في مصر ببعض الضروريات التي يتوقف عليها الحياة الكريمة لكل الناس في هذه الأرض:

الأول: قد بات واضحا أن كثيرا من شأننا السياسي يكاد يستبعد أي بُعد ديني إسلامي، كما بات واضحا أن أي عملية سياسية لا تقوم على أي أسس إسلامية يمكن أن تكتسب من خلالها الشرعية المطلوبة في مجتمع يدين أغلبيته بالدين الإسلامي الذي هو نظام حياة المسلمين، وعليه: فإن مواقف كثير من التيارات التي قاطعت هذه الانتخابات أصبحت تكتسب زخما ووجاهة بين كل طبقات المجتمع المسلم، وصارت حجتها متداولة على كل المستويات، وصار من الواضح أن هناك عملية بحث قوية عن بدائل للتغيير تتجاوز هذا الزخم السياسي المصطنع الذي لا يمثل أي ثوابت تخص أو تهم الأمة. والحركة السلفية من أجل الإصلاح تتفهم مواقف المقاطعين لهذه الانتخابات والمبنية على أسس شرعية وحجج مبنية على التجارب التاريخية لكنها في النفس وقته تتعاطف مع حجج الذي أبوا إلا الانخراط في هذه العملية قياما بواجب نصرة الشريعة وتخص منهم جماعة الإخوان المسلمين التي أكدت في بياناتها على إنجازات أعضاء مجلس الشعب الفائت من جماعة الإخوان وطموحات المرشحين في المجلس القادم الهادفة لاستبدال القوانين الإسلامية بالمخالفة للشريعة، ومعارضة كل ما يتضاد مع الشرع الإسلامي؛ ما أعطى سعيهم في الترشح لهذه الانتخابات وجاهة ومقبولية.

الثاني: إذا ضممنا وقائع المشهد السياسي في مصر بعضها إلى بعض استطعنا أن نستجلي كيانا حاكما مهيمنا على الأوضاع لا يختلف كثيرا عن الكيان الحاكم الجاثم على أنفاس الشعب المصري منذ اعتلاء محمد علي عرش مصر مرورا بأبنائه الظلمة الذين استقووا بالغرب الكافر واقترضوا منه على ذمة الشعب المصري أموالا طائلة آلت به ليكون مُستعمَرا لمدة مائة عام تحت العسف الاستعماري الجائر وانتهاء بالضباط الأحرار الذين أقاموا نظام حكم يستعمل كل سلطاته ليبقى الشعب مهمشا لا قيمة له ولا معنى للحياة عنده، وإزاء هذا المشهد الأليم تبدو لنا العملية الانتخابية ملهاة يصعب عليها أن تؤثر في واقع معقد من أهم معطياته: عدو قوي خارجي قوي هو إسرائيل، ثم عدو داخلي متربص هو إيران الرافضية، وتحديات دولية وإقليمية ومحلية تتطلب قدرة فائفة لحل كل المشكلات ذات الصلة.

فمجلس الشعب المصري لم يكن في يوم من الأيام صاحب قرار بدء الحرب أو إنهاء الحرب، ولم يكن في يوم من الأيام صاحب السياسة العامة للدولة ولا المراقب المحاسب لأداء السلطة التنفيذية، بل إنه بات الخادم المطيع لكل إملاءات وطلبات السلطة التنفيذية ! وإذا استمر مجلس الشعب ممارسا لنفس هذا الدور فإن وجوده وعدمه سواء من الناحية العملية والتطبيقية.

والحركة السلفية من أجل الإصلاح تأمل أن يدرك النظام الحالي ضخامة التبعة وعظم المسئولية، فإما أن يتنحى ليأتي الأكفاء ويرجعوا بمصر إلى الاستقرار على كل الأصعدة أو يقوموا هم بتغيير جذري لكل أوجه الحياة بشرط أن يكون التغيير مأخوذا كله من الشرع الإسلامي المطهر الذي هو دين الأغلبية في مصر، وتناشد الحركة السلفية المتنفذين في الحكم ليقوموا بهذا التغيير قبل أن يفوت الأوان.

الثالث: إن حالة الجمود السياسي ستظل مسيطرة على المشهد العام مادامت مصر لم تحسم رأيها في حاكمها المقبل، وما دام شعب مصر غير قادر على رسم سياسية الحكم في المرحلة المقبلة فإن كل تنبؤات المحللين ستظل قيد الانتظار حتى تفسح عنها ملامح وجه الحاكم القادم.

فملف تطبيق الشريعة الإسلامية في كل بنود الحياة سيظل موقوفا ما دامت كل مفاصل النظام الحالي تنافح سرا وجهرا حتى لا تقوم أي حكومة إسلامية على أرض مصر.

وملف الظلم والاعتقال والأداء المتعسف لأجهزة الأمن في مصر سيظل عالقا حتى إشعار آخر، لأن الإرهاصات كلها تشير إلى عدم وجود أي تغير بل أي نية في التغيير. وفي ضِمنه ملف تعاظم الدور المسيحي في أروقة الحكم المصري وفي ضمنه أيضا ملف الأسيرات المسلمات في سجون الكنائس المصرية الذي بات فضيحة عالمية وسوءة دولية لا يستحي النظام من انكشافها ! كما يأتي ملف تجفيف المنابع الدينية وإسكات صوت العلماء والدعاة الذين يجاهدون بالكلمة لتغيير الواقع الفاسد، ونستنكر جريمة اعتقال مئات الدعاة والشاب المسلم الحر الملتزم وخاصة اعتقال الأستاذ خالد حربي مدير المرصد الإسلامي لمقاومة التنصير على خلفية قضية الأسيرات المسلمات في الكنائس المصرية كون اعتقاله جاء في مرحلة حرجة تمر بها مصر قلت فيه الأصوات التي تدافع عن حقوق المسلمين في أرض أغلب سكانه من المسلمين!

ملف الحالة الاجتماعية لملايين الفقراء والعاطلين سيظل مفتوحا ولن يغلق إلا وجود حاكم نزيه يمارس سياسة اقتصادية شفافة في هذا البلد الذي أنهكته المحسوبية والرشوة.

والحركة السلفية من أجل الإصلاح لا زالت تلح على أهم مطلب وهو تطبيق الشريعة الإسلامية واستعادة نمط الحياة الإسلامية في كل المناشط السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعتبر هذا المطلب من آكد المسائل التي يجب أن تتوجه إليها أنظار السياسيين، بل هو المطلب الذي سينبني على تلبيته نجاح كل المحاولات لحل مشكلات الأمة.

الرابع: إن الحركة السلفية من أجل الإصلاح توجه أنظار المصلحين من كل التيارات (عموما) ومن التيار الإسلامي بكل أطيافه( على وجه الخصوص) إلى ضرورة استئناف مرحلة جديدة من التغيير قائمة على استنهاض الأمة بكل شرائحها لتعود عودة صادقة لدينها وتنصر شريعة الرحمن ودولة القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، كما نص على ذلك إجماع العلماء في ضرورة وجود الإمام الذي يقيم حوزة الدين وينصر السنة ويرد الحقوق لأصحابها. وبسبيل هذا لابد من وقفة جادة تجاه حالة الاحتقان والاختلاف في الصف الإسلامي الذي استتبع هوانا وضعفا أدى إلى تمرد الوجود العلماني واحتكاره لدور القيادة في الأمة حتى باتت كل قضايا المسلمين رهن النظر والتخطيط والتنفيذ العلماني، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الخامس: تناشد الحركة السلفية من أجل الإصلاح علماء الأمة ومجاهديها أن يقوموا لله قومة صادقة في توجيه الأمة ودعم المخلصين من رجالات هذه الأمة العاملين في كل الحقول، كما تناشدهم ألا يقعوا أداة في أيدي أعدائها والمتربصين بها الدوائر ليستخدموا فتاواهم وعملياتهم الجهادية في تقويض النهضة الإسلامية التي تشارك فيها كل طوائف الأمة وجماعاتها، كما تناشد الحركة السلفية من أجل الإصلاح زعماء وقادة الجماعات الإسلامية أن يتضامنوا ويتحدوا للعمل لإعادة حكم الله عز وجل إلى حياة المسلمين وأن يستعلوا على خلافاتهم ويوجهوا طاقاتهم لمقاومة الزحف العلماني والتغريبي والإباحي والرافضي وغيره من صنوف الأخطار القريبة المحدقة بأمتنا الإسلامية.

السادس: تناشد الحركة السلفية من أجل الإصلاح رجال أهل الحل والعقد في الأمة من أصحاب الشوكة والمال والقوة والوجاهة والتمكين أن يكونوا نصراء لدين الله قائمين له بالحجة ساعين لشرعه بالرفعة مجاهدين في سبيل إعلاء كلمة الله في كل ميدان، كما تنشادهم أن يسخروا أموالهم وجاههم ومناصبهم وقوتهم في الدعوة إلى الله وإلى تطبيق شريعته.

وختاما تؤكد الحركة السلفية من أجل الإصلاح (حفص) على كل من يعمل لدين الله تعالى ألا يضع حول عنقه أغلالا ما أنزل الله بها من سلطان تقيد تحرُّكه لنصرة الدين، فكل الخيارات متاحة أمام المسلم لنصرة الدين ما دام الخيار غير مخالف لشرع الله تعالى، وأمامنا الكثير من الخيارات التي يجب أن نخوضها ونجربها لنعرف الصالح منها والفاسد، ويبقى أن نؤكد على ضرورة احترام توجيهات المرجعيات العلمية وآراء القادة والزعماء واختيار أقرب الفرص من شرع الله وأكثرها فائدة لدين الله وللأمة. سائلين الله تعالى أن يوفق جهود كل العاملين لهذا الدين إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الأمين العام للحركة السلفية من أجل الإصلاح (حفص)

رضا أحمد صمدي

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

حول الانتخابات النيابية المصرية 2010م ( البيان الأول )

بسم الله الرحمن الرحيم

الحركة السلفية من أجل الإصلاح ( حفص )

التاريخ: الإثنين 2 ذو الحجة 1431 هـ

8 نوفمبر 2010 م

رقم البيان 1931

حول الانتخابات النيابية المصرية 2010م

( البيان الأول )

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على من جعله الله هاديا مهديا، وبعد:

ففي خلال أسابيع من الآن ستُعقد انتخابات نيابية في جمهورية مصر العربية هي من أهم الانتخابات التي ستُجرى خلال قرن منصرم، كون هذه الانتخابات تُعقد وسط ظروف سياسية واقتصادية معقدة تمر بها مصر ودول المنطقة والعالم كله، ولا شك أن الوضع الداخلي المضطرم، والمشكلة الفلسطينية التي تمارس فيها مصرُ دورا مذموما، إضافة إلى مشكلات المسلمين المختلفة التي تقف منها مصر موقف المتفرج يجعل المسلمين ينظرون إلى أي تغيير سياسي في مصر أنه أمل قد يؤدي إلى تغيير شيء ما في خارطة الأحداث، وهذه هي النظرة التحليلية التي تدور حولها الأخبار والبيانات والمواقف.

لكن الحركة السلفية من أجل الإصلاح (حفص) تنظر إلى أية انتخابات باعتبارها فرصة لكل أمة أن تراجع مواقفها مع ربها ودينها ومبادئها، والأمة الإسلامية أولى الأمم بأن تراجع دينها ومبادئها، والمسلمون في مصر أحرى وأجدر أن تكون هذه الانتخابات فرصة لهم جميعا ليراجعوا أنفسهم.

ليست المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية هي الهم المؤرق للحركة السلفية من أجل الإصلاح، فالحركة ترى أن كل تلك المشكلات ما هي إلا أعراض لمرض عضال، وهو البعد عن دين الله تعالى وتحييد شريعته الغراء من حياة الناس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ. رواه البخاري ومسلم.

وحتى هذه اللحظة لا نجد في مواقف السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية أية خطوة تجاه التصالح مع شريعة الإسلام، ويسري هذا التوصيف على كل الدول والحكومات الإسلامية، فيما يبدو أنها خصومة غير مبررة بالمرة بين المسلمين وبين شريعتهم الخالدة.

والحركة السلفية من أجل الإصلاح لَتُذَكِّر المسلمين في كل مشارق الأرض ومغاربها بدين الله وشريعته، وتخص كل بلد مقبل على أية انتخابات نيابية أو رئاسية أو غيرها أن يراجعوا أنفسهم ومواقفهم مع دين الله تعالى وشرعه، وتشدد في التذكير على من صدّروا أنفسهم لهذه الانتخابات ألا ينسوا شرع الله المُحيّد المُضَيّع، وأن يتوبوا إلى الله تعالى من ترك الحكم بشريعة الإسلام، وتذكِّرهم الحركة السلفية بحقوق الله تعالى وأهمها أن نعبده ولا نشرك به شيئا وألا نقدّم على شريعته وحكمه أي شرع أو حكم، وأن يعلم كل من تصدّر لهذه الانتخابات أنه مسئول أمام الله موقوف بين يديه عما فرض وضيع من حدود الله وأحكامه وشرائعه.

إن الانتخابات النيابية المقبلة تضع المصريين كلهم حكاما ومحكومين قادة وشعبا في المحكّ مرة أخرى، فليس انتسابنا للإسلام وليست أعمالنا الخيرة من صلاة وصيام وزكاة وحج وبناء للمساجد والمدارس الإسلامية بنافع لو كان في مقابل ذلك نهمل شرع الله ونحكم بخلافه ونرضى بأوامر ونواهي غيره سبحانه.

وليس يسع أي إنسان له صلة بهذه الانتخابات إلا أن يُري الله من نفسه خيرا، فكل الناخبين من التيار الإسلامي وغيره مطالبون بأن تكون هذه الانتخابات صفحة جديدة مع شريعة الله تعالى، وأن يضع كل من له علاقة بهذه الانتخابات نصب عينيه الهدف الأسمى من وراء كل هذه الأنشطة السياسية، وهو أن نسعى لإعادة الحياة الإسلامية في مجتمعاتنا، فليس هذا الفرض لازما في حق أناس بأعينهم، بل كل من انتسب للإسلام وادعى حبه ونصرته وجب عليه وجوبا عينيا أن ينصر دين الله وشرعه ، قال تعالى: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) .

هذا وتذكر الحركة السلفية من أجل الإصلاح كل من سيخوض هذه الانتخابات أنه ما لم نجعل تحكيم شرع الله هدفا رئيسا لنا فإن أي حراك سياسي في هذا الاتجاه فإنما هو تأكيد على تحييد الشريعة وتنحيتها عن حياة المسلمين، ولا شك أن هذا جرم عظيم فظيع في جنب الله تعالى، فواجب على كل ناخب أن يدخل هذه الانتخابات بنية الإصلاح والدعوة لتحكيم شرع الله وإعلاء كلمته.

كما تذكر الحركة السلفية من أجل الإصلاح الشعب المصري كله وكل من له علاقة بالانتخابات القادمة بالمظالم الكثيرة العظيمة المتعلقة برقبة النظام الحاكم الحالي،والذي إن لم يتب ويرجع عنها ويعيد الحقوق إلى أهلها فإنه نظام يجب تغييره وتنحيته لعدم صلاحيته لحكم المسلمين.

ومن أهم تلك المظالم التي يجب أن يبادر أهل السياسية إلى التنويه بها وبأخطارها: مراجعة الدور المصري تجاه قضايا المسلمين وبالأخص القضية الفلسطينية، ومظالم الشعب المصري في تبديد ثرواته على حواشي ومحاسيب النظام الحاكم، وعدم العدالة في إيصال حقوقه من ثرواته، ومظالم المعتقلين وظروف الاعتقال والحبس والتحقيق والمبني على قانون الطوارئ الظالم الجائر، ومظالم المسلمين الجدد وخاصة من أُسر منهم في معتقلات الكنائس المصرية القبطية، ثم الحالة الاجتماعية المزرية والمتمثلة في انتشار الرشوة والمحسوبية والفحشاء والغلاء وانحراف أداء وسائل الإعلام، هذا غيض من فيض ما يجب على أهل السياسة تداركه.

كما تنبه الحركة السلفية من أجل الإصلاح أن مشروعية أي نظام مستندة إلى دين الإسلام، فأي نظام يتنكر للإسلام ويحارب أحكامه فلا يكون هذا النظام مشروعا، بل يكون نظاما طاغيا سلطويا يجب العمل على تحييد دوره واسترداد سلطاته وتخويلها لمن له الأهلية والقدرة على الإصلاح، وإذا لم يعمل النظام الحالي على تدارك الأخطاء القاتلة وعلى رأسها تنحية الشريعة فإنه سيظل نظاما وحشيا همجيا لا يستحق التأييد والنصرة والتجاوب مع مشروعاته وسياساته.

ثم نهيب بالشعب المصري كله (إن كان لا بد فاعلا) ألا يختار إلا نائبا يطالب بحقوق الإسلام والمسلمين، فإن انعدم هذا النائب في دائرتهم فلا يجوز أن يختاروا من يغلب على ظنهم أنه منحاز للفئة الباغية التي تريد للأمة أن تظل بعيدة عن شريعة الإسلام.

والحركة السلفية من أجل الإصلاح تطالب كل غيور على دين الله أن ينشر هذا البيان ويشيعه ويوصله للآلاف ممن تصدروا لعملية الانتخابات النيابية وأن يعمل كل مسلم على التذكير بهذه الحقوق العظيمة لله وللإسلام والمسلمين، وتناشد الحركة كل من له يد وقدرة وسلطة في توصيل هذا النداء لوسائل الإعلام المختلفة أن يفعل ذلك قياما بواجب نصرة الدين والنصح لخاصة المسلمين وعامتهم.

هذا ونسأل الله تعالى أن يوفق كل من يعمل لدين الله وأن يهديه سواء السبيل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم،وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.

الأمين العام للحركة السلفية من أجل الإصلاح (حفص)

رضا أحمد صمدي

السبت، 6 نوفمبر 2010

حوار مع الأمين العام للحركة السلفية من أجل الإصلاح

اهذا الحوار أجراه مراسل موقع أون إسلام مع الأمين العام للحركة السلفية

ليتم نشره في الموقع المذكور في أواخر شهر أكتوبر الماضي، ولكن المسئولين

عن الموقع رفضوا نشره بزعم طول الحوار وأصر المراسل على نشره كاملا دون

حذف، فلم يتم نشره، هذا ما وصلنا من الأخ المراسل، لذلك نحتفظ بحقنا في نشر

الحوار للإفادة ...

بسم الله الرحمن الرحيم

رضا صمدي: الأمين العام للحركة السلفية من أجل الإصلاح (حفص )

السلفية تضيف بُعدًا إصلاحيًا عميقًا في مصر

في هذا الحوار، دعا الأمين العام لـ"الحركة السلفية من أجل الإصلاح" السلفيين في مصر إلى خوض العمل السياسي والمشاركة في كل الشؤون العامة، ذلك أن السلفية باتت تضيف "بُعدا إصلاحيا عميقا"، فضلا عن كونها "رائدة العمل الإسلامي" بل تُعتبر "الرمز الإسلامي الواضح المعالم في الشارع المصري".. ومن هنا يرى رضا صمدي أن حاملي هذا المشروع الحضاري لم يعد ينقصهم سوى أن يخطوا الخطوة "تجاه الأداء السياسي والإصلاحي العام" في البلاد.

كما يشرح ملابسات خروجه من مصر، وما وجده من حرية في موطنه الأصلي في (تايلند)، ثم يتناول موقف شيوخ السلفية من حركته المعروفة اختصارا بحفص، مؤكدا تقديره للشيوخ الذين تعلم على أيديهم ومبديا تفهمه لموقفهم من الحركة الوليدة. كما يلقي الشيخ الأزهري الضوء على ملابسات تأسيس الحركة والهدف منها ومنهجها الحركي والإصلاحي، ويرد على منتقديه.

* نريد تقديم تعريف للقاريء بالشيخ رضا صمدي؟

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. أخوكم رضا أحمد صمدي في بطاقتي الشخصية اسمي (برامود صمدي)، وهو الاسم الذي تم إجبارنا (نحن المسلمين في تايلند) على التسجيل به في السبعينيات من القرن المنصرم في مملكة تايلند حينما كان يتولى الحكومة طاقم من البوذيين المتطرفين الذين ألزموا المسلمين في تايلند بجملة من الإجراءات الجائرة منها منعهم من التسجيل بأسماء إسلامية وهذا الاسم لا يُستعمل إلا في الأوراق الرسمية ولا يتداوله إلا من ضرب بسهم في إجباري على التسمي به.

أما اسمي الذي أُعرف به في بلدي ويعرفني به الناس فهو (رضا بن أحمد بن يونس بن أحمد بن عبد الصمد صمدي) ولدت في (بانكوك) عاصمة مملكة تايلند سنة 1390هـ أو 1970م عن أب تايلندي وأم مصرية، ولكن الوالد ينتسب لأسرة تعود لأصول ملاوية في جنوب تايلند وإحدى جداتي هي ابنة السلطان سليمان، سلطان آخر الممالك الإسلامية في جنوب تايلند (حاليا) وترجع أصول هذا السلطان إلى منطقة خراسان فيما يذكر بعض المؤرخين ولا زال قبره موجودا في مدينة (هاد ياي) ونسبنا هذا مذكور في الكتب التي أرخت لتلك المرحلة، جدي يونس وأخوه إسماعيل كانا مُحَفِّظَين للقرآن، وكان جدي إماما في مسجد من أقدم المساجد في بانكوك ووالدي تخرج في مدرسة دار العلوم وعمل في السلك الدبلوماسي التايلندي ثم استقال وتفرغ للدعوة والتصنيف في الحقل الإسلامي وهو مَن أتم ترجمة معاني القرآن باللغة التايلندية والذي اعتمده مجمع الملك فهد لطباعة المصاحف، أما أمي فوالدتها من أصول تركية (من عائلة خورشيد) ووالدها من عائلة بيومي بصعيد مصر، وقد كان جد (أمي) قاضيا شرعيا في المنيا وجدي (لأمي) مهندسا للري في عهد الملكية.

ولدتُ في تايلند وقضيت أولى سنين حياتي في ماليزيا، حيث كان يعمل والدي في السفارة التايلندية في كوالالمبور، ثم لما استقر عمله في المملكة العربية السعودية بدأت رحلتي في الدراسة النظامية، حيث أتممت الابتدائية ثم المتوسطة في مدينة جدة بالسعودية ثم رحلت إلى مصر وأتممت دراستي الثانوية ثم الجامعية في الأزهر حيث تخرجتُ في كلية الشريعة عام 1992م وشرعت في دراسة الماجستير فيها ولم أتمها، ولكن أتممتها في جامعة القرويين في الملكة المغربية من كلية أصول الدين بتطوان قسم العقائد والفسلفة وكان عنوان البحث : "النقد عند المحدِّثين.. النظرية والمنهج والتطبيق".

أما شيوخي فكُثُر ولكنني استفدتُ أكثر ما استفدتُ من الشيخ الدكتور أسامة عبد العظيم، ومن شيخي في القرآن أسامة بن عبد الوهاب حيث أجازني بقراءة حفص، والشيخ الدكتور العلامة جاد الرب رمضان، والشيخ الدكتور محمد مصيلحي، والشيخ الدكتور الحسيني الشيخ، والشيخ الدكتور عبد الجليل القرنشاوي، والدكتور علي مرعي، وهؤلاء أبرز مشايخي في الفقه وأصوله والشيخ محمد مصطفى، رحمه الله، والشيخ محمد حسين يعقوب، والشيخ أبو إسحاق الحويني، والشيخ محمد بن إسماعيل المقدم، والشيخ ياسر برهامي، والشيخ عبد الفتاح الزيني، والشيخ أبو الحسن أبو الأشبال آل مندوه، وهؤلاء أخذتُ عنهم المنهج وطريقة السلف.

ومن مشايخي الشيخ العلامة محمد بو خبزة الذي قرأت عليه أغلب الموطأ واستجزته فأجازني بكل مروياته وتركتُ ذكر كثير من مشايخي طلبا للاختصار حفظ الله الأحياء منهم ورحم الأموات.

الآن متزوج ولي ثلاثة أبناء محمد رشيد ( تيمنا بالمصلح الكبير صاحب المنار) ومحمد الأمين (تيمنا بالمفسر الأصولي المتبحر في العلوم الشنقيطي) ومحمد القاسم ( تيمنا بالمجاهد فاتح السند) قناعة بأن أمتنا تحتاج إلى مصلح اجتماعي وعالم متبحر ومجاهد جسور فلو كثر هؤلاء في الأمة فهو علامة نصرها وسؤددها، ولئن قصرت بنا الحيل في إدراك جيل التمكين فقد أودعنا في أبنائنا ما أَنْ عسى أن يكون نطفة تغذوها آمالُنا ودعواتُنا ليشهدوا ما لم يشهد آباؤهم.

مصر هي المقياس الحساس لقوة الأمة

* مقيم في بانكوك لكنه مهتم ومتابع دقيق للأوضاع في مصر، كيف نفسر ذلك للقاريء؟

ـ في الحقيقة أنا متابع لأحوال المسلمين كلهم في العالم كله، وأقرأ بنهم وشغف عن كل ما له علاقة بوجودٍ للمسلمين في أي بقعة في العالم، أما مصر فلها مزيد عناية وشغف لأنني نشأت فيها، وبها ترعرعت واشتد عودي، ولأن مصر في نظري هي المقياس الحساس لقوة الأمة وضعفها، ثم إن الشبكة العالمية للاتصالات (الإنترنت) جعلت هذا العالم قرية صغيرة وكتابا مفتوحا، ولربما يعرف المقيم في بانكوك عن أدق التفاصيل التي تحدث في القاهرة إذا خصص وقتا للبحث عن هذه الأخبار، فالاهتمام والمتابعة الدقيقة للأوضاع في مصر بالنسبة لي أمر عادي لأنه يحدث مع غيري، بل أحسِب أن كثيرا من المسلمين من غير المصريين يتابعون الأوضاع في مصر عن كثب وذلك لما لمصر من مكانة في قلوب المسلمين في العالم كله. إلا أنني أزعم أنني متابع دقيق للشأن الإسلامي بمصر عموما والشأن السلفي خصوصا، ولكوني باحثا وناشطا في الحقل الدعوي اقتضى ذلك مني أن أكتب في الشأن السلفي فتوسعتْ مطالعاتي وبحثي عن الأخبار ذات الصلة وأحسب أنني ملم بدرجة كافية بكل ما يتعلق بالسلفية في العالم الإسلامي كله.

الأزهريون والإصلاح

* غريب على رجل الشارع المصري أن يعرف أن هناك سياسي مصري وشيخ أزهري له كل هذا الاهتمام ببلاده إلا أنه من أصل تايلاندي؟

ـ أما في العرف فلا يمكن أن نعتبره غريبا، ففي الحديث المتفق عليه: (ابن أخت القوم منهم)، لكن القوانين جعلت ابن الأم المصرية من أب غير مصري أجنبيا، لكن في الجملة لو رآني رجل الشارع المصري وتحدث معي فلن يعرف أنني من أصل تايلندي. والأزهريون الذين خاضوا عملية الإصلاح الاجتماعي والسياسي في مصر كُثُرٌ، مثل الشيخ أحمد شاكر، والشيخ محمد حامد الفقي، والشيخ صلاح أبوإسماعيل، ومصر تُعُج بكثير من الأعراق التي عُنيت بالشأن المصري مثل دور الألبانيين في حكم مصر، وكذا الأتراك والأكراد والمغاربة، إلا أن القومية والعصبية الجاهلية التي نشأتْ عليها أجيالنا جعلتْ رجل الشارع العادي يقوّم الناس بناء على نظرته القومية والعرقية، ولك أن تتعجب كيف أن رجل الشارع المصري لا يستغرب من اهتمام الأمريكي والأوروبي واليهودي والنصراني ببلاده -وهم ليسوا بمسلمين- ولكنه يستغرب جدا إذا كان المهتم مسلما تايلنديا أو صينيا أو كمبوديا !! أوليس استغرابه أولى بالاستغراب؟!

نحن أمة واحدة إذا اشتكى منا عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، والواقع المشاهد أن المسلمين في تايلند مهتمون بأخبار إخوانهم المسلمين في كل أنحاء العالم وهذا أمر موجود لدى لدى أغلب الشعوب الآسيوية المسلمة وينبغي أن يكون سمة في كل الشعوب التي ارتضت هذا الدين آصرة يربط بينها وبين الناس.

وأحب أن أنبه أنني لا أستسيغ أن أطلق على نفسي أنني (سياسي) ولكنني رجل منسوب للعلم الشرعي، ومهتم بقضايا نهضة الأمة الإسلامية، ومتخصص في الشأن السلفي، وناشط في الدعوة الإسلامية والإصلاح الاجتماعي، وأعتبر الإصلاح السياسي جزءا من خارطة اهتماماتي وأولوياتي ولكنني لا أمارسها بالمفهوم والمصطلح الحادث.

* لكن كيف تعيش في تايلاند؟ وتتجاوب مع أهلها وأنت على ما يبدو تعيش بقلب مصري؟ وهناك من يتساءل : هل اهتمامكم بالأوضاع في مصر ناتج عن فراغ قاتل لديكم حول الأوضاع في تايلند؟

ـ أخوكم متفرغ للعمل الدعوي والاجتماعي أو ما يُسمى في العرف المعاصر بالعمل العام، وأرأس (اللجنة الإسلامية من أجل السلام) المعنية بالإغاثة وبحقوق المسلمين والدعاية لقضاياهم في تايلند وهذا موقعها على الشبكة الدولية http://www.muslim4peace.ne ويتبع هذا الموقع مواقع أخرى مثل موقع http://www.pinonlines.com/ وهو موقع إخباري يُعنى بأخبار العالم الإسلامي باللغة التايلندية وأنشأت دورية إسلامية باسم : "تايلند نيوز دار السلام" تتبع اللجنة المذكورة وهذا عنوانها على الشبكة http://thailandnewsdarussalam.com/ : وأنشأتُ صندوقا تكافليا يُعنى بتقديم القروض الحسنة والتمويلات الصغيرة والمرابحات والمضاربات من الحجم الصغير باسم الأمانة للادخار وهذا موقعها على الشبكة http://amanahsaving.com، كما أنني أحاضر في كل أنحاء القطر التايلندي حول قضايا المنهج والإصلاح الاجتماعي والنهضة والصحوة الإسلامية وساهمتُ في تأسيس وإدارة الكثير من الجمعيات والمؤسسات الأهلية ومنها ما يُعنى بدعوة غير المسلمين ومحاربة البدع والخرافات ومقاومة الزحف الرافضي في تايلند وكذا الاتحادات الطلابية التي تُعنى بتربية جيل الشباب والفتيات أمام موجة الإباحية والهجمات الفكرية والغزو الثقافي الشرس، ولي موقع دعوي باللغة التايلندية هو http://www.islaminthailand.org .

أما التجاوب مع أهل تايلند فواقع بحمد الله وهو لمن بذل جهدا في فهم هذا المجتمع المعقد ( أعني المجتمع التايلندي)، ويوجد مصريون كثيرون يعيشون في تايلند وتزوجوا من تايلنديات وهم مقيمون في تايلند حتى الآن. ومع ذلك فلا يمكن إطلاق القول أنني أتجاوب مع أهل تايلند بقلب مصري، وقلبي يكون مع أي مسلم مستضعف يطلب النصرة وأسأل الله تعالى أن يعينني على موالاة إخواني المسلمين في أي قطر كانوا. ولكن الذي عاش في مصر وتربى فيها وتلقى العلم عن علمائها لا بد أن يكون عنده ذلك الميل، فهذا مما لا أجد عنه حِوَلا فهو ميل فطري أسأل الله أن لا يؤاخذني فيما يملك ولا أملك!

ولد لمصرية لكنه ممنوع من دخول مصر

* ما هي ملابسات خروجك من مصر؟

تم اعتقالي بزعم وجود تنظيم سلفي، وأنني على علاقة به، واستخدم جهاز ما يُسمى بأمن الدولة كل الأساليب غير القانونية للحصول على المعلومات كالتعذيب والضغط النفسي والإرهاب والتهديد، ولم تستطع سفارة بلدي مجرد مقابلتي حتى مع تدخل مكتب وزير الخارجية التايلندي وكان في أيامها (سورين بيسو وان) وكان مسلما على علاقة بالوالد رحمه الله، وصدر قرار بترحيلي لكنه اصطدم بحقوقي القانونية في الإقامة المميزة لأن والدتي مصرية فأكرهوني على التوقيع على تنازل عن الإقامة، وتم طردي من مصر في شهر يونيو 1999م، وحتى هذه اللحظة أنا ممنوع من دخول مصر مع أن لافتة كبيرة عريضة كتبت عند دخول صالة الوصول في مطار القاهرة فيها (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)!

* إلى أي مدى يمكننا أن نقول أنه بعد خروجك من مصر وجدت متنفسا رحبا في بانكوك مكنك من الحديث عن أوضاعها بحرية أكثر ربما لم تتح لك وأنت مقيم فيها؟

ـ التعبير بكلمة (مُتَنَفَّس) مطابق جدا للواقع، فعندما جئت إلى تايلند كنتُ محمّلا بنفسية الداعية القَلِق المتوجس الذي يخاف من أي كلمة يلقيها بين الناس، سواء كانت خطبة أو موعظة أو كلمة قصيرة، لكن مع مرور الوقت وجدتُ أنني أعيش في كابوس سخيف أجبرنا على استحضاره الوضعُ القاتم في مصر، وجدتُ في تايلند رجلا يقف أمام رئيس الوزراء ويقول له إنك أخطأت في كذا وكذا ويجب عليك أن تستقيل! وجدتُ من يتظاهرون أمام وزارة الزراعة لأنها لم تف بوعودها في تخفيف الديون عن المزارعين! فصرتُ أخطب في بعض المساجد (باللغة العربية وبالتايلندية) وأتعرض بالنقد لكل الأنظمة في العالم الإسلامي ولا أتوجس أو أقلق ! لقد كان مُتنفسا بالفعل.

هذا الجو الصحي الذي عشته جعلني أتمنى مثله لكل الدعاة في كل أنحاء العالم ومنها مصر. وكلما اقتربتُ من معرفة الأوضاع في مصر ازداد حزني على حال الأخوة المسلمين فيها، وفي كل محنة يمر بها الناس في مصر أجدني أَرِقَا قَلِقَا على ما سيئول إليه أحوال الناس بانحطاط المسلمين في مصر، فاجتهدتُ في نقد الوضع عبر المواقع والمنتديات ثم أنشأتُ مدونتي وخصصتها لنقد بعض الأوضاع في مصر ومراجعة بعض قضايا المنهج السلفي والأداء السلفي في الساحة الدعوية والسياسية، ولا شك أن أي كاتب غير مصري خاصة في الدول غير البوليسية فإنه يفكر بدون قلق ويكتب بلا توجس، ولكن أغلب إن لم يكن كل الكتاب في مصر سواء كانوا من العلماء والمفتين أو غيرهم فلا يستطيع أن يكتب كل ما يجيش في صدره أويدور في عقله، بل إن قناعات كثير من الكتاب تنحرف وتتغير للوضع المزري للحريات، فكيف يمكننا أن نرى داعية يتحدث عن قضية التوريث مثلا على منبر يوم الجمعة أو في درس عام، وكيف يمكن لأي عالم أو طالب علم أن يكتب بصراحة عن رأيه في ابن الرئيس أو دور زوجته أو مراكز القوى في المجتمع المصري؟!

إن البعض ينتقدني بأنني لو كنتُ في مصر لم أكن لأكتب هذا الذي أكتبه عن الأوضاع فيها وأنا خارجها، وهذا صحيح قطعا، ولكنه لا ينبغي أن يكون محل نقد حتما، فالذي يذوق مرارة القهر والتسلط والظلم لا يمكن أن يستحضر كل هذا معه في كل مكان وإن زال سببه، وكل شعوب العالم المضطهدة إذا استطاع أحد مواطنيها التخلص من قيود الظلم والجور وانطلق ينتقد أداء الحكم في بلده فإنه ينال شعبية بين أبناء بلده لأنه يُشعرهم أن هناك من يقاوم الظلم ويدافع عن المظلومين، بل لو أن صحفيا أو كاتبا لا ينتمي لمصر، وانتقد أداء الحكم فيها عبر مقال صحفي أو كتاب منتشر فإنك ستجد الصحافيين والكتاب والأدباء وحتى الدعاة والمنسوبون للعلم سارعوا إلى تلك المقالة ليقرأوها وإلى ذلك الكتاب ليقتنوه، وهذه ظاهرة نفسية تستحق التسجيل في مجتمعاتنا، أننا صرنا نشعر أننا نمارس النقد عن طريق متابعة ما يكتبه الآخرون عنا!

ولماذا احتفى السلفيون في مصر بمجلة "البيان" ومجلة "السنة" وقد كانتا تصدران من بريطانيا، وكانتا تعالجان كل الشئون وتتحدثان عن كل الخطوب بما فيها الشأن المصري؟! ولماذا يسكت السلفيون عن هاني السباعي، وأبي بصير الطرطوسي، وأبي محمد المقدسي، وغيرهم، وكل هؤلاء ليسوا بمصريين ولهم مقالات وأحاديث حول الأوضاع في مصر؟!

فلماذا يختلف الوضع لو قام بانتقاد النظام والأوضاع في مصر رجل من صليبتها وشرب من ماء نيلها (كما يحب أن يتشنف المصريون) وأحب ترابها وهواءها !!! إن الوضع لا بد أن يختلف أكثر لو كان هذا الرجل مسلما يستشعر أمانة المسئولية ويتألم لحال بلد كان حريا به أن يكون دوره أكثر حيوية من دور تركيا تحت قيادة أردوغان.

إنني أستحث كل العلماء والدعاة والكتاب والصحفيين والمهتمين بالشأن العام أن يكون لهم دور في نقد الأداء الحكومي ومتابعة المظالم وحقوق المسلمين والحديث حول سوءات النظام ومعايبه فكل هذا يدخل في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يدخل في صميم رسالة أمة الإسلام التي نالت بها الخيرية.

لا يكفي أن نتحدث عن معايب الديمقراطية وعن مظالم فرعون كما سردها القرآن ثم نزعم أننا نتحدث عن الواقع، إن القرآن حيث انتقد الشرك عيّن الأصنام التي كانت تُعبد من دون الله في قريش (اللات والعُزّى ومناة الثالثة الأخرى) وحين انتقد أئمة الكفر عدد مظالمهم ومعايبهم في حوادث بأعيانها حتى صار المنافقون يحذرون أن تُنزّل عليهم سورة تنبِّئهم بما في قلوبهم!

إن النظام البوليسي الجائر يستطيع أن يتعقب داعية واحدا يخطب خطبة عن مظالم العباد، ولكنه لن يستطيع أن يتعقب ألف خطيب أو ألف داعية، ولو انضم إليهم ألف كاتب وصحفي وناشط فلن يستطيع النظام أن يكمم أفواه كل أولئك، ولكنه يستعمل سياسة التهديد والترويع (مع انحطاطها) عبر التنكيل بداعية واحد أو كاتب واحد فيكون عبرة لغيره من الدعاة والكتاب. إن الذي يصدح بالحرية في سربٍ من الصامتين لا بد أن يكون صوته نشازا، أما لو كان الجميع يحدو بحُداء الأمل فلن تستطيع قوة في الأرض أن تئد هذا الأمل.

السلفية تضيف بُعدا إصلاحيا عميقا في مصر

* أسستَ أول حركة سياسية تخرج من رحم الدعوة السلفية في مصر، وهو عمل غير مسبوق.

ـ لنتجاوز تسمية (الحركة السلفية من أجل الإصلاح) بأنها حركة سياسية، وأحب أن أنبه إلى أن الحركة السلفية من أجل الإصلاح نصت في بياناتها أنها تتناول الشأن السياسي ولكنها لا تمارسه، تعالج القضايا السياسية ولكنها لا تطالب بالمناصب، ولا تعافس المعترك الانتخابي لأجل الحصول على الأصوات، ولكن الحركة السلفية من أجل الإصلاح صوت من ضمير الأمة الجمعي، يستحضر الخطاب الرباني والمقاصد الشرعية الإسلامية ليذكّر الأمة بتراثها ومجدها وينبهها لثوابتها وأصولها، وينافح من أجل المحافظة على عقيدتها وملامحها المميِّزة. فلو كنتَ تعتبرُ هذا الدور جديرا بأن يُسمى بالحركة السياسية فلا مشاحة في الاصطلاح.

فبهذا الاعتبار أقول: نعم هي أول حركة سياسية في مصر تخرج من رحم الدعوة السلفية لكنها استلهمت تجارب من سبقها وأخص بالذكر الدور الإصلاحي الذي ابتدأه المُنظرّ الأكبر للسلفية المعاصرة الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق والذي يعتبره السلفيون في الكويت على اختلاف مشاربهم الأب الروحي للسلفية، والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق مصري أصلا ولكنه هاجر للكويت واستقر فيها، إلا أن كتاباته عن السلفية أثرت في كل السلفيين، ومنهم السلفيون في مصر، ولا زال كتابه : "الأصول العلمية للدعوة السلفية" يمثل مرجعا مهما لهذه الدعوة المباركة. كما أنوّه بالأداء الإصلاحي للشيخ سلمان العودة، والشيخ سفر الحوالي في تسعينيات القرن المنصرم وكذلك الأداء السلفي السياسي المحض في الجزائر والكويت. كما أنوه بكتابات الدكتور صلاح الصاوي، والدكتور عبد الكريم بكار، والأستاذ جمال سلطان، ولا أبخس جهود غيرهم من العلماء والدعاة السلفيين ولكنني خصصتُ هؤلاء بالذكر لأن الجانب الإصلاحي والسياسي العام ظاهر في كتاباتهم.

ولن أنسى أن أذكّر بالدور الإصلاحي القديم للشيخ محمد رشيد رضا من خلال مجلته "المنار"، فإن الحسّ السلفي فيها واضح المعالم، وقد كانت لجهوده الإصلاحية دور في بعث واستنهاض السلفية في عصرنا الحديث كما نبه الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله بل إن دعوة الشهيد حسن البنا (والتي تأثرت بدعوة محمد رشيد رضا) وتأسيسه لجماعة الإخوان المسلمين كانت إسهاما مباشرا في توطيد كثير من أفكار السلفية في المجتمع المصري، والشيخ محمد رشيد رضا هو أول من نوه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وشهّرها بين عامة الناس من خلال مجلته، وكان من أوائل من دعوا إلى تصفية الإسلام من شوائب الصوفية والمذهبية والأحاديث الضعيفة والموضوعة ومحاربة البدع والخرافات بل من أوائل من تصدوا للغزو الثقافي الغربي من خلال مقالاته في نقد الحضارة الغربية، وكل دعوة أو حركة إسلامية جاءت من بعده وانتسبت لشيء من السلفية فإنما هو بسبب تتلمذ قادتها على الشيخ محمد رشيد رضا رحم الله الجميع.

وإذا ذكرنا الشيخ محمد رشيد رضا فلا بد أن ننوه بالأثر المهم للدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية التي ابتدأها الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب التميمي والتي من ثمراتها قيام دولة أثرت في العالم بأسره سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا، ولا زال علماء هذه الدعوة كالشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ ابن جبرين، والشيخ البراك وغيرهم يُحدثون الأثر الظاهر في أي دعوة إصلاحية تنشأ في أي مكان في العالم. وأرى أن أداء مجلة "السنة" في أواخر القرن الميلادي المنصرم بكتابات الشيخ محمد سرور زين العابدين ومجلة "البيان" ثم "المنار الجديد" الآن تُعتبر انعكاسا للدور الإصلاحي الذي كانت تقوم به مجلة المنار تحت عناية محمد رشيد رضا.

ثم تأتي الدعوة السلفية المعاصرة في مصر لتضيف بُعدا إصلاحيا عميقا لدى كثير من الشباب المسلم في مصر كونها صمدت أمام الكثير من الفتن والخطوب وأسست جيلا يتبنى المشروع الحضاري الإسلامي بكل ملامحه ولا ينقص هذه الدعوة إلا خطوة تجاه الأداء السياسي والإصلاحي العام لتُصنف باعتبارها رائدة العمل الإسلامي في مصر كونها (الدعوة السلفية) تقود كثيرا من مظاهر الوجود الإسلامي في مصر بل تُعتبر الرمز الإسلامي الواضح المعالم في الشارع المصري بلا منازع.

كل هؤلاء كان لهم أثر ولا شك في ولادة هذا المولود الجديد (الحركة السلفية من أجل الإصلاح) ليكون رصيدا جديدا وإضافة مهمة في حساب العمل الإسلامي العام.

العلماء والدعاة السلفيون أيدوا حفص بلا استثناء

* لكن من تمثل الحركة السلفية من أجل الإصلاح، وماذا تضيف في الفقه الحركي الإسلامي والواقع الميداني؟

بداية لا بد أن نقرر أن الحركة السلفية من أجل الإصلاح مولود جديد في ساحة العمل الإسلامي، سبقها إلى الوجود الكثير من جهود العلماء والدعاة والمشايخ وطلبة العلم والجماعات العاملة لهذا الدين، وكل هؤلاء كانوا سببا مباشرا أو غير مباشر في ظهور هذا المولود الجديد، فالحركة السلفية من أجل الإصلاح إضافة نماء للبناء الشامخ الذي سبق إليه الكثير من السابقين. لكن الحركة السلفية من أجل الإصلاح(حفص) تطمح إلى:

تمثيل صوت الضمير الحي للأمة الإسلامية.

تمثيل الشخصية الإسلامية الحضارية لأمتنا.

تمثيل نداء الشرع المطهر لهذا الجيل في قضايا غاب عنها صوت المذكّر.

الحركة السلفية من حيث مبادؤُها تمثل التيار السلفي في العالم كله وبالأخص التيار الإصلاحي الذي ينادي بعودة الأمة إلى أصولها ويذّكرها بخطاب الشرع وحاكميته كما ينبه الأمة إلى استحضار أول مشروع حضاري ناجح لأمتنا، وهي الحضارة التي شادها سلفنا الصالح من أهل القرون الخيرية الذين فتحت البلدان والأمصار على أيديهم ودخل الناس في دين الله أفواجا، وعرف الناس دين الله من خلال أنموذجهم الفذ، وانتشت معالم الحضارة والثقافة الإسلامية بجهودهم، فكانوا أفضل الناس علما وعملا وخلقا وكانت حضارتهم أنموذج الحضارة الأخلاقية الناجحة والتي استطاعت أن تنير للبشرية دربها ردحا طويلا من الزمان، حيث كانت تستلهم طريقة حياتها من أوامر الشرع وتصوغ تفاصيل معيشتها من خلال المنهج النبوي الحكيم.

فكل النظريات السياسية في العالم تستلهم تجربة ما، تحيل عليها أوجه التميز وأسباب التقديم، حتى الديمقراطية، فإنها لا تخجل من تقديم الأنموذج اليوناني الأثيني رمزا لعقائدها ! والمسلمون حري بهم ألا يكون لهم تراث يمثل فكرهم السياسي والاقتصادي إلا تراث سلفهم الصالح الذين قادوا العالم بحق وكانوا عزا وفخارا لكل المبادئ والمثل والقيم النبيلة التي سعد الإنسان بتطبيقها ورؤية ثمارها.

أما مَن تمثلهم الحركة السلفية من حيث الشخصيات والأعداد فالواقع أن تصدي الحركة السلفية للحديث في كل قضايا الأمة جعل من الصعب أن يؤيدها العلماء والدعاة علنا، ولكن الحركة السلفية استشارت قدرا لا بأس به من العلماء والدعاة السلفيين المرموقين في مصر والعالم وعرضت عليهم مبادئها ونشاطها فأيدوها بلا استثناء، خلا من تحفظ على ممارستها لأي دور في مصر للحالة الأمنية التي تعانيها البلاد، ومع ذلك فالحركة السلفية من أجل الإصلاح لها مؤيدون ومحبون ومتعاطفون وهي آخذة في الانتشار والتوسع لولا ظروف الضغط والقهر التي تمر بها مجتعاتنا الإسلامية ! وفي مصر خصوصا يمثل الحركة : "المنسقُ العام" ويقوم بدور مهم في تنسيق الجهود ليكون أداء الحركة السلفية في مصر داخل الإجماع السلفي ومتسقا مع الخطاب الدعوي للمرجعيات السلفية.

إن الحركة السلفية في نشاطاتها وبياناتها تستقرئ آراء واجتهادات كل المرجعيات الإسلامية السنية بكل أطيافها العلمية والدعوية والسياسية والجهادية في العالم كله ، ولكنها تُولي التيار السلفي منها عناية خاصة ثم تُبَلْوِرُ مواقفها بناء على الإجماع بين تلك المرجعيات إنْ توفر، ثم قول الجمهور منهم، وإلا فإنها تقدم رأي التيار السلفي ما لم يختلف، فإن اختلف قدّمنا قول جمهورهم واضعين نصب أعيننا موافقة القول للدليل الشرعي من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة ومقاصد الشريعة الإسلامية الغراء، وفيما يتعلق بالاجتهادات الفرعية التي لها معطيات خاصة في جهات الفتوى الأربع (الزمان والمكان والشخص والحالة) فإن الحركة السلفية لا تتبنى موقفا حازما صارما، بخلاف ما لو كانت القضية عامة ذات أبعاد دولية أو إقليمية أو محلية لكنها لا تخص أحدا بعينه، ويتأكد اهتمام الحركة السلفية بالقضايا والنوازل التي تشغل بال الرأي العام وقلّ فيها طرح السلفيين أو لم تكن لهم كلمة فيها لسبب من الأسباب كالضغط الأمني أو ظروف الإقليم الذي وقعت فيه النازلة.

وبناء عل تلك الرؤية فإن الحركة ساهمت في إعلان الطرح السلفي تجاه قضايا كثيرة شُغل عنها الدعاة السلفيين مثل أبعاد تسرطن الرافضة في مملكة البحرين مع غفلة أهل السنة عن المكائد الشيعية وقضية تقسيم السودان ومسألة التوريث وتحكيم الشريعة في مصر وغير ذلك مما يمكن استقصاؤه من مدونة الحركة السلفية من أجل الإصلاح. وهذا عنوانها على الشبكة : http://alharakahalsalafiah.blogspot....g-post_17.html

وعن قريب سيكون للحركة موقعها الخاص على الشبكة الدولية للاتصالات إن شاء الله.

ومع ذلك كله فإن الحركة السلفية لا تزعم أبدا أنها جاءت بما لم يستطعه الأوائلُ ! بل تعترف الحركة أنها جزء لا يتجزأ من الكيان السلفي، وتربط الحركة ببقية أجزاء هذا الكيان لُحمَةُ المنهج القويم على أساس متين من احترام المرجعيات العلمية السلفية الكبرى وتوقير رموز السلفية في العالم كلهم حتى مع الذين يختلفون معنا في أسس مهمة في فقه الحركة، وكل هذا مبني على عقيدة أهل السنة والجماعة التي يعتبرها السلفيون علامة فارقة في منهجهم العلمي والحركي، وهو حب الوحدة والاجتماع وبغض الخلاف والفرقة، وانتماؤنا الأصيل إنما هو لأمة الإسلام واسمنا الأصيل الذي لا نبغي به بديلا هو اسم المسلمين الذين سمانا الله به.

أما ما تضيفه الحركة السلفية من أجل الإصلاح في الواقع الميداني فقد لا يكون منظورا مرأيا الآن، فما زالت الحركة في مهدها ولكننا نحسِب أن الطرح السياسي للحركة السلفية جعل لها زخما في الشارع المصري بالذات، وباتت تجربة الحركة في إصدار بيانات تتعلق بالشأن العام وتوجيه خطابها لأركان الحكم مباشرة باتت هذه التجربة نوعا جديدا من الخطاب الدعوي لم يألفه الشارع المصري ولا مجتمع الدعاة والملتزمين من كل التيارات الإسلامية، وهذا في حد ذاته يُعتبر إضافة مهمة، أن يَعي الشباب السلفي أن دورهم ليس مقتصرا على تحصيل العلوم وحضور الدروس والمحاضرات أو مجرد تاسيس أسرة مسلمة تكون قصارى مهمة الفرد فيها أن يوفر لنفسه ولمن معه حياة مرفهة دون أن يكون له دور في إصلاح المجتمع والأمة !!!

إن الحركة السلفية من أجل الإصلاح تطمح إلى حدوث طفرة في جيل الشباب السلفي الذي بدا كأنه لا يهتم إلا بتحصيل العلم من كتب التراث السلفي ولكنه بَعْدُ لم يبتكر النظرية التي تجعل من التراث السلفي واقعا معيشا وحياة عملية يراها الناس في سياستهم واقتصادهم واجتماعهم وعمرانهم. وسلف الأمة كانوا يصدعون بالحق بين ظهراني الكفرة والمبتدعة والفجرة ولا يخافون في الله لومة لائم، وشرعية ذلك الجيل وخيريته نبعت من قيامه بكلمة الحق وجهره بها، ووجب على من حمل منهجهم أن يكون مثلهم وعلى منوالهم.

تحفظ شيوخ السلفية حول تقدير المصالح والمفاسد ومناسبة المرحلة

* لكن بالرغم من ارتباطك القوي بشيوخ الدعوة السلفية في الإسكندرية إلا أنك لم تراع موقفهم من هذه الخطوة؟

هذا غير صحيح، فلقد تم استشارة مَن إليه الأمر منهم، ولكن حصل خطأ في توصيل المعلومات بيننا وبين الواسطة أدى إلى حصول سوء فهم، لكنهم كانوا على علم بهذه الحركة، ثم إنهم أصدروا بيانا يوصي بعدم الانضمام أو التعاون مع الحركة السلفية ( وذلك في عام 2005 ) بناء على الظروف والمعطيات التي تحيط بالدعوة السلفية في الإسكندرية.

إن مشروع الحركة السلفية من أجل الإصلاح (حفص) عُرض على عدد من كبار مشايخ السلفية في مصر منذ خمس سنوات، ولم يكن لأي منهم إعتراض على مشروعية التحرك، وإنما دارت تحفظاتهم حول تقدير المصالح والمفاسد ومناسبة المرحلة لمثل هذا التحرك، حتى إن أحد الكبار ممن يشار إليهم بالبنان لما عُرضت عليه إحدى ورقات المشروع، عقب قائلا:

مُنَىً،إنْ تَكُنْ حَقّاً تَكُنْ أَحْسَنَ المُنَى... وَإلا فَقَدْ عِشْنَا بها زَمَناً رَغْدَا

بل إن الحركة طلبت معونة أحد أقطاب السلفية في العالم (إن جاز التعبير) لينشر بيانات الحركة في موقعه الشهير فأجاب باستعداده لذلك.

ولما رأينا أن أغلب المشايخ في مصر متحفظون من تأييد الحركة غيّرنا سياستها من الإقليمية للعالمية، فبدلا من أن تكون (الحركة السلفية من أجل الإصلاح ـ مصر-) سميناها (الحركة السلفية من أجل الإصلاح ـ حفص-) حتى نرفع عن المشايخ حرج مساءلتهم عنها من الجهات الأمنية، وجعلنا الحركة مهتمة بشئون المسلمين في العالم كله ومن ضمن ذلك مصر، وتحملتُ المسئولية القانونية تجاه الحركة وحدي. وكل هذه الخطوات والمراحل والتحركات والاستشارات لها شهود وكلهم أحياء، ولولا ما قد يحتف بإعلان أسمائهم من حرج وتضييق أمني لأعلنت الحركة عن تفاصيل ما حدث بدقة حتى يعلم الجميع أننا لم نفتئت على مشايخنا ولم نفعل شيئا دون مشورتهم.

ثم علمنا مؤخرا أن بعض رموز الدعوة السلفية في الإسكندرية صرح بعدم وجود تنسيق أو مشاورة بيننا وبينهم والواقع أن التأسيس الثاني للحركة والإعلان عنها في رمضان 1431هـ لم نُخطر المشايخ به لعلمنا بتحفظاتهم حول المشروع برمّته، وقد حصلت مداولات بيني وبين الأخوة أعضاء الحركة في مصر حول جدوى التشاور مع المشايخ فخلصنا إلى أن المشايخ غير مستعدين لتبني الحركة في هذه المرحلة للظرف الأمني المعروف، فآثرنا تحمّل مسئولية أنشطة الحركة وحدنا حتى لا يكون للأمن أي حجة في الضغط على المشايخ لتبني موقف معين تجاهها.

وأتمنى أن يَعِي الناس طبيعة هذه المرحلة والضغوط التي تواجه الحركة وتواجه المشايخ والعلماء وطبيعة الصفقات التي تدور في الكواليس لوأد الدعوة السلفية في العالم كله، فهذا مما ينبغي أن يستوعبه الخاصة قبل العامة، وأي نشاط يصب في تجذير هذا الدين وتعميقه في حياة الناس لابد أن نؤيده ونحوطه بالرعاية وإلا فلا أقل من أن نسكت عنه ولا نحذر منه إلا إذا ارتكب خطأ شرعيا واضحا لا يحتمل الإعذار فقد وجب التنبيه منعا للالتباس والاشتباه.

* هل ما زلت متواصلا مع شيوخك في مصر، أم أن بياناتك ومواقفك المعلنة تجاه كثير من القضايا ذات الحساسية أحدثت قطيعة بينك وبينهم؟

أبدا ... هذا لم يحدث (أعني القطيعة)، لكن لا شك أن بعضهم صار يتحفظ من تغير أسلوبي ومنهجي الحركي، لكنني أؤكد أن كل ذلك لم يتغير ومن كان يعرفني عن كثب عندما كنت في مصر وكنت أشارك معهم في إدارة أجزاء مهمة في النشاط السلفي يعلم أن لي موقف من التعامل مع الأمن وعدم الرضوخ لإملاءاتهم وشروطهم، وأن نعمل للدعوة بشرطنا نحن وهو إبلاغ كلمة الحق، فلو مُنعناها كان الجلوس في بيوتنا أحب إلينا من العمل مع كتمان الحق وتلبيسه، كان هذا اجتهاد لي ولغيري من الدعاة وكان في مقابله اجتهاد يرى المهادنة مع الأمن وعدم توفير مناخ الصدام معه حفاظا على مكتسبات الدعوة، وأسأل الله أن يجعل لكلا الاجتهادين أجرا ونصيبا من المثوبة.

وعلاقتي بالمشايخ طيبة فلا زلت أعتبرهم رموز صحوتنا الإسلامية ولا زلت أوصي بكتبهم واستماع محاضراتهم والأخذ عنهم وتقديم رأيهم ومشروتهم ولا زلت أحفظ ودادي لهم واحترامي لمقامهم وأعتز بانتسابي وتلمذتي عند أقدامهم وما من فضل ساقه الله إلي بهذا الدين فهم فيه بعد الله سبب ووسيلة، فجزاهم الله عني وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

نسعى لتكوين تيار يطالب بتحكيم الشريعة الإسلامية

* كم تقدر عدد المنتمين للحركة في مصر؟

مازالوا قليلين جدا، ولكن يجب أن نضع في اعتبارنا أن الحركة السلفية لم تضع في أهدافها تكثير أتباعها والمنتمين إليها، لكنها تحرص على اصطناع رأي عام يحتشد وراء المبادئ والأصول التي ضُيعت في أمتنا، ونسعى لتكوين تيار يطالب بتلك المبادئ والأصول وفي مقدمتها تحكيم شريعة الإسلام في بلاد الإسلام.

ويمكن قياس الانتماء عن طريق بيانات الحركة، فبيان الحركة السلفية من أجل الإصلاح حول تقسيم السودان ما أحسب أن مسلما غيورا يعارضه، فضلا أن يكون سلفيا قُحا! وبيان الحركة حول المقاطعة لا أظن أن أحدا من أهل العلم يخالفه إلا من حيث التطبيق في بعض صوره، فبيانات الحركة كما ذكرتُ تستقرئ آراء العلماء والمرجعيات في كل أنحاء المعمورة ثم تصيغ البيان بما يحقق إجماعا إسلاميا وسلفيا حول النازلة، ومن هنا فيمكن أن نقول إن المؤيدين للحركة لا حصر لهم.

* بعد الظهور العلني لكم في بعض المظاهرات، وخاصة مظاهرة مسجد الفتح بميدان رمسيس في 1 أكتوبر 2010، البعض يتساءل، إن كان هذا يتم بسماح أمني لكم، وهل هناك اتصالات بالفعل تجري بين الحركة السلفية من أجل الإصلاح وبين الأجهزة الأمنية في مصر؟

ـ هذا ليس صحيحا بالمرة، الحركة السلفية من أجل الإصلاح لم يسبق لها عن طريق أمينها العام أو أي من أعضائها (في مصر) أن نسق أو اتصل بالأمن بأي وسيلة من الوسائل لأجل أي هدف من الأهداف، وظهور اللافتة كان قضاء مقضيا! فقد استطاع أحد أعضاء الحركة تسريبها من خلال البوابات التي كثف الأمن تفتيش المواطنين من خلالها بينما صودرت أغلب إن لم يكن كل اللافتات في تلك المظاهرة، فلما ظهرت تلك اللافتة تعجب الناس منها، وقد تلقينا من بعض الأخوة المنظمين لتلك المظاهرات ما يفيد انزعاجهم وعدم رضاهم عن هذا التصرف فأصدر الأخ المنسق العام في مصر توجيهاته بعدم إظهار أي لافتة في تلك المظاهرات للحركة السلفية من أجل الإصلاح.

ومع ذلك فإنني أقول إن إجراء أي اتصال مع أي طرف في منظومة الحكم لأجل توفير مناخ يوفر للحركة قدرة على ممارسة نشاطها دون معوقات فإننا لن نتأخر عن مثل هذا الاتصال أو الحوار، ولكن لن يكون ذلك على حساب كلمة الحق التي يجب أن تقال ولا يجوز تأخيرها عن وقت الحاجة إليها.

* البعض من منظمي مظاهرة "الفتح" اتهموا "حفص" باختطاف جهودهم، ونسبة المظاهرات إلى الحركة، وألمحوا إلى أنهم كانوا قد نبهوا عناصر الحركة إلى عدم رفع اللافتات، إلا عناصر "حفص" لم يستجيبوا لهذا الطلب ورفعوا اللافتات رغما عن باقي المجموعات المنظمة.

ـ الحركة السلفية من أجل الإصلاح (حفص) تبارك جهود كل العاملين للدين في كل أنحاء العالمين وتشد على أيديهم، ولها اهتمامات بتتبع أحوال المسلمين في كل بقعة من بقاع الأرض، وليست مظاهرات في بلد واحد في قضية واحدة هي التي ستنصرف إليها كل اهتمامات الحركة.

وبعد تحليل القضية تبين أن تهمة سرقة الجهود بُنيت على أمرين: الأول: رفع اللافتات، الثاني: كثافة النشر الإعلامي للمظاهرات ونسبتها للحركة. والواقع أن اللافتات كانت ترفع في كل مظاهرة، ومنها لافتات بعض المنظمين، وفي مظاهرة مسجد "الفتح" كثف الأمن تفتيشه لكل الداخلين للمظاهرات وصادر كل اللافتات، ولكن بعض الأخوة من الحركة استطاع أن يفلت بتلك اللافتة، ولم يكن مقصود الحركة سرقة أية جهود، ولكن الأخوة في الحركة اجتهدوا ورأوا في رفع اللافتة تأكيد على سلفية المظاهرات، ولم يحصل أن أحدًا من منظمي المظاهرات نبه الأخوة في الحركة لعدم رفع اللافتات قبل المظاهرة أو أثناءها والدليل على ذلك أن كل المظاهرات قبل مظاهرة الفتح كانت تُرفع فيها لافتات كثيرة ولجهات متعددة، دون نكير من أحد، ولكن التنبيه بعدم رفع اللافتات حصل بعد أن تمت مظاهرة مسجد الفتح وتكلم بعض المنظمين في

ذلك وبادر الأخوة في الحركة إلى إعلان أسفهم لما حصل وأنهم لن يرفعوا أية لافتات.

أما كثافة النشر والإعلان في الصحف والمواقع عن المظاهرات ونسبتها للحركة فهذه لا يد لنا فيها، ونحن غير راضين عن الأداء الصحفي لكل الصحف تجاه الأزمة بما فيه الصحف المتعاطفة معنا، فكثير منها يبالغ ويهول في الأحداث أكثر من الواقع. ثم إن المظاهرات على نوعين: مظاهرة يتم الإعداد لها من الألف إلى الياء، فهذه يحق للمنظم أن يمنع رفع أية لافتات لم يؤذن لها من المنظمين للمظاهرة، أما المظاهرات التي ليس لها منظم محدد ويُحشد لها عموم الناس فيحق لكل أحد شارك في المظاهرة أن يرفع أية لافتة لا تتعارض مع مقصود المظاهرة.

وعموما: الحركة السلفية من أجل الإصلاح تأسف أن يكون شغل بعض المنظمين الشاغل هو موضوع اللافتة وتضخيمها لتكون تهمة سرقة الجهود وركوب الموجة في بؤرة اهتمامات

بيانات بعض المنظمين ومقالاتهم حتى صار حديثهم عن اللافتة (في بعض المواطن) أكثر من حديثهم عن أصل القضية وهي قضية المسلمات الأسيرات. والحركة إذ تكرر أنها لم ولن تنسب لنفسها شيئا لم تفعله، تؤكد على أنها تؤيد وتدافع عن كل الجهود التي تبذل لنصرة هذا

الدين وليست لها أية نيات لفعل أي شيء يضر بالحركة الإسلامية ومكتسباتها، وتناشد الحركة أن يكون شباب الإسلام عونا للعاملين لدين الله وألا يشاركوا في النفخ في أتون الفتنة وإيقاع العداوة والبغضاء بين العاملين لهذا الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

* كيف تقارن لنا بين الدعوة السلفية في مصر والدعوة السلفية في تايلاند؟

الدعوة السلفية في مصر قديمة عريقة، منتشرة بين عامة الناس، يقف وراءها علماء ودعاة مرموقون، أما في تايلند فهي جديدة وليدة، محاربة من عامة الناس لانتشار البدع والخرافات والمذهب الأشعري في المعتقد والشافعي في الفروع وتعصب عامة الناس لذلك، وتفتقد للمرجعيات الكبرى، ويكفي لمعرفة الفرق أن نعلم أن بعض دعاة أهل السنة في بعض المناطق والأزمنة كانوا يُطاردون بالأسلحة من بعض الجهلة المتعصبة، في حين أن ذلك لم يحدث في مصر على الإطلاق. وقد حاول بعضُ خريجي الجامعات الإسلامية استيرادَ الخلافات والفتن التي حصلت بين السلفيين في بعض البلدان وبثها في تايلند، وأخطرُها فتنةُ التصنيف التي هي مَفَرُّ الدعاةِ من واجباتهم الدعوية ومسئوليتهم تجاه مجتمعاتهم وأمتهم.

لكن في الجملة: الدعوة في تايلند تنعم بحرية لا حدود لها بخلاف الدعوة في مصر، والأنشطة الاعتيادية التي يقوم بها أي إنسان في العالم مثل إقامة الندوات والمحاضرات والمخيمات الصيفية والمؤتمرات ونحو ذلك نقوم به في تايلند دون أية معوقات، وحتى الأنشطة غير الاعتيادية مثل نقد الحكومة (أعني نقد المسلمين للحكومة) والمظاهرات السلمية والاعتصامات ونحو ذلك نمارس قدرا كبيرا منه دون أي توجس. وهذه المساحة من الحرية غير موجودة في مصر قطعا، وكلما تذكرتُ كيف كان جهاز الأمن في مصر يُجبر الراغبين في الاعتكاف على تسجيل أسمائهم، وتصوير بطاقاتهم الشخصية، بل كان يدخل المسجد ويبحث عمن اعتكف في المسجد ولم يسجل اسمه ليقوم باعتقاله واستجوابه؛ كلما تذكرتُ هذا تعجبتُ أشد العجب مما آل إليه حال المسلمين في بلاد الإسلام !!!

* لكن وبالرغم من كل ذل الا يحلم رضا صمدي بالعودة إلى مصر؟

ـ نعم ... ولله الأمر من قبل ومن بعد.

وفي نهاية الحوار.. أرجو ألا يفهم القارئ من هذه الأسئلة التي صاغها الموقع أن الاهتمام موجه لشخصي وأن المقصود من الحركة السلفية للإصلاح بيان حقيقة أمينها العام، فالواقع أنني ما أجبتُ عن الأسئلة المتعلقة بشخصي إلا من باب مساعدة الرأي العام على تكوين صورة حقيقية للحركة وأنها ليست من فراغ والتعريف بشخصي قد يساعد في فهم امتداد الحركة زمانيا ومكانيا مما يكون له أثر في اتخاذ الموقف الصائب منها.